بـرّيــة بالمعنى الحرفي

"جيل ويك"، عالمة الأحياء لدى "هيئة نيو مكسيكو للصيد الترفيهي والأسماك"، تتفقد مجرى مائيًا يعج بأسماك تروتة هيلا اليافعة من أجل استعادة هذا النوع. تراجعت أعداد هذه الأسماك بسبب جملة من العوامل؛ من بينها أسماك التروتة غير الأصلية التي أُدخلت لتعزيز نشاط الصيد.

بـرّيــة بالمعنى الحرفي

الوديان الخفية والمروج العالية تميز "برية هيلا"، الأرض التي سكنها شعب "الأباتشي" في زمن مضى. في عام 1924، صنفتها "هيئة الغابات" الأميركية أول "منطقة برية" في العالم حيث يمكن للناس زيارتها من دون أن يتركوا أثرًا دائمًا.

بـرّيــة بالمعنى الحرفي

مرشد البراري "جو ساينز" يقود حصانًا مُحمَّلًا بمؤن لرحلة مدتها 10 أيام لاستكشاف منابع "نهر هيلا". يتحدر ساينز من إحدى فخذات قبيلة "تشيريكاوا" التابعة لشعب "الأباتشي" الذين كانوا يعيشون شهورًا متتالية في هذه الوديان. يقول: "حين أكون هنا أشعر أني في بيتي".

بـرّيــة بالمعنى الحرفي

توقفت "إلينا لانسيوني" عن المشي على طول درب "ميدل فورك نهر هيلا"، لتطفو في حوض تمده الينابيع الحارة. منذ أن اقترح "ليوبولد" فكرة منطقة برية قبل قرن من الزمن، أضافت الحكومة الأميركية 802 منطقة أخرى من هذا النوع، فصارت الحماية تشمل زُهاء 45 مليون هكتار.

بـرّيــة بالمعنى الحرفي

يبلغ طول "نهر هيلا" 1044 كيلومترًا وينبع من جنوب غرب ولاية نيو مكسيكو ويتدفق إلى مدينة يوما بولاية أريزونا. في عام 1922، عندما اقترح حارس غابة يدعى "ألدو ليوبولد" أول منطقة برية، أوصى أن تشمل منابع هذا النهر، مما يضمن بقاءها خالية من السدود.

بـرّيــة بالمعنى الحرفي

"لاني لوبيز"، 11 عامًا، وقد طبع والدها على خديها دماء أول أيل تصطاده. كان صيدها هذا، على مشارف "برّية هيلا"، جزءًا من برنامج لاجتذاب الشباب إلى القنص الترفيهي. تقول: "القنص تقليد في عائلتنا. وإنه لأَمرٌ حسَن أن أُسهم في ملء ثلاجتنا باللحوم".

بـرّيــة بالمعنى الحرفي

رحلة إلى "برّية هيلا" في نيو مكسيكو تكشف عن إرث مستمر من الحرص على أراضي أميركا الطبيعية وصونها.. وتثير أسئلة معقدة بشأن ما يعنيه حقًّا أن يكون مكانٌ ما برّية.

قلم: بيتر غوين

عدسة: كاتي أورلينسكي

1 July 2023 - تابع لعدد يوليو 2023

كنا نخيم في أيكة من أشجار صنوبر "البونديروسا" وقد أوقدنا نارًا من أخشابها النافقة. كنا قد قيّدنا الخيول لتُمضي الليلة ونظفنا أطباق العشاء؛ فافترشنا بطانيات سروجنا وتكوّرنا إلى جانب نار المخيم اتّقاء برد نوفمبر، في انتظار غليان القهوة. كانت ظلال النار تهتز طلوعًا وهبوطا على جذوع الأشجار الهائلة كصوّر على شاشة سينما متحركة.

هنالك راح "جو"، وهو مُرشد من قبيلة "الأباتشي" جال هذه الأرضَ -كدأب أسلافه- وخبر أسرارها، يروي حكاية ذئبة قُتِلت غير بعيد عن هذا المكان. كان يتحدث بإيقاع متأنٍّ فيعطي كل كلمة من كلماته وزنًا خاصا. وسرعان ما عوى ذئب. ارتفع العواء في جنح الليل كما لو أن سرد القصة استحضره. كان الصوت مفاجئًا ومفزعًا، لأننا لم نكد نسمع شيئا على مرّ الأيام القليلة الماضية. وبينما كنا نتوغل على صهوات الخيل في هذا المشهد الطبيعي، بدا أن الغابات والأدوية ابتلعت سائر الأصوات تقريبًا، مختزلةً عالمنا في النهر والريح والخيل وأصواتنا. أحيانًا، لمّا كنا نجتاز المنحدرات العميقة المعشوشبة نزولًا إلى المضايق المتعرّجة، كنت أشعر كأني أصبت بالصمم أو كأني بدأت أحلم. لكن ذلك العواء أثار شيئا ما؛ وفجأة، صرتُ واعيًا بكل صوت: حفيف النار، وصهيل الخيل، وأنفاسي.

نظرنا إلى الأعلى، على نحو غريزي، في محاولة لرؤية الذئب على خط الحافة. لكن ما استطعنا رؤيته هو ظلال الأشجار المحفوفة بأضواء نجوم شاحبة. انتظرنا أن يعوي الذئب تارة أخرى، أو أن يرد عليه ذئب آخر. لكن الصمت كان سيد الموقف. هذا ما تقوله حكاية جو تلكَ: في عام 1909، كان أحد حطّاب شاب يجوب الأرض في الشق الجنوبي الغربي من نيو مكسيكو، غير بعيد عن مكان تخييمنا. كان يتناول وجبة الغداء على حافة صخرة مع بعض من رجاله. رمقوا في الوادي ذئبة وصغارها، أخذوا بنادقهم وأطلقوا النار عليها جميعا. كانت الذئاب حينها تُعد ضارةً ومدمرةً لقطعان الماشية والأيائل والغزلان، وكان الهدف من القضاء عليها وعلى جميع الحيوانات المفترسة هو حِفظ الطبيعة على نحو أفضل. مع دنو أجله، كتب ذلك الحطاب: "وصلنا إلى الذئبة العجوز في الوقت المناسب لنرى جذوة خضراء شرسة تنطفئ في عينيها.. كنتُ حينها يافعًا ومندفعًا؛ واعتقدتُ أن عددًا أقل من الذئاب يعني مزيدًا من الغزلان، وأن انعدام الذئاب يعني جنة الصيادين. لكن بعدما رأيت الجذوة تنطفئ، أحسست أنه لا الذئبة ولا الجبل يوافقان على ذلك التصور".

يُعرِّف أحد القواميس لفظة "البرية" أنها الأراضي "غير المزروعة، وغير المأهولة، وغير المضيافة"، لكن هيلا ليست أيًّا من ذلك كله.

قد يكون مقتل الذئبة سبب إنشاء المكان الذي خيمنا فيه، والمسمى "برية هيلا" (Gila Wilderness). كان الحطاب الشاب هو "ألدو ليوبولد"، أحد رواد حراس الغابات الذين تطلعوا إلى توظيف أحدث العلوم لتدبير ملايين الهكتارات من الأراضي الفدرالية. إن مواجهة بليوبولد تلك الذئبة وملاحظات أخرى قد دفعته ليكتب في عام 1922 رسالة داعية إلى تصنيف جديد للأرض. بحلول ذلك الوقت، كانت الحكومة الأميركية قد أقرت نوعين من الأراضي العامة: أولهما المنتزهات العامة التي ينبغي الحفاظ عليها لأغراض ترفيهية مع إمكان تحسينها بالطرق والنُّزُل والمرافق الأخرى؛ وثانيهما الغابات الوطنية التي ينبغي تدبيرها للحصول على مواردها، بما في ذلك الأخشاب والمعادن والرعي والقنص. لكن ليوبولد دعا إلى شيء آخر مفاده ترك مكان لا تُغيّرُه يد البشر. وهنالك حدد 3100 كيلومتر مربع في وسط "غابة هيلا الوطنية" مترامية الأطراف والتي ضمت منابع "نهر هيلا"، وفي عام 1924، صنفتها "هيئة الغابات" الأميركية أول منطقة برية في العالم.

عرفتُ هيلا أول مرة في فصل صيف وأنا بعدُ طفل أقيم مع جدي وجدتي في كولورادو. حينها انتشرت أخبار عن هروب أحد السجناء. تكهن صاحب مزرعة مجاورة لبيتنا أن الهارب قد يتجه جنوبًا صوب برية هيلا؛ إذ قال لي: "إنها أرض الأباتشي، حيث وُلِد غيرونيمو". وصفها بالأرض الصعبة، ومتاهة لا حدود لها من السلاسل الجبلية والأودية، وموطن أسود جبال ضخمة. وختم كلامه قائلًا: "إنْ كان في هيلا فلن يجدوه أبدا". إن "البرية" مصطلح مطاط، يكاد يشير إلى كل أشكال البيئة: أدغال ومستنقعات وتندرا مكسوة بالجليد ومحيط مفتوح. وغالبا ما يُستعمل مرادفًا لمصطلح "القِفار"، خاصة في ما يتعلق بالصحاري، لكنه قد يشير ببساطة إلى غابة تنبض بالحياة. ولئن كان السياسيون يمقتون أن يكونوا "في البرية" (فمعنى العبارة اصطلاحًا في الثقافة الأميركية هو فقدان السلطة)، فإن الشخصيات الدينية تبحث عنها. إنها المكان الذي كلم الله فيه موسى عليه السلام؛ والمكان الذي قصده المسيح عيسى عليه السلام ليصوم ويصلي، والمكان الذي وجد فيه بوذا "الصحوة"، والمكان الذي أرسل إليه والدا النبي محمد عليه السلام ابنهما الرضيع ليكون أصح مما سيكون عليه إن نشأ في المدينة.

إن قدرة الإنسان الخارقة على تغيير المنظومة البيئية تعقد الأمور.

يُعرِّف أحد القواميس لفظة "البرية" أنها الأراضي "غير المزروعة، وغير المأهولة، وغير المضيافة"، لكن هيلا ليست أيًّا من ذلك كله. هنالك اقترح ليوبولد تعريفه الخاص للبرية، بوصفها "امتدادًا متواصلًا للأرض يحافظ على حالته الطبيعية، ويكون مفتوحا للصيد القانوني بنوعيه، وكبيرًا بما يكفي لاستيعاب رحلة مشي تستغرق أسبوعين، ويظل خاليا من الطرق أو الممرات المستحدَثة أو الأكواخ أو غيرها من أعمال الإنسان".  لمّا اجتاحت جائحة "كورونا" كوكبَنا في عام 2020، كنت أفكرُ مليًا في البرية. حينها صرنا جميعا حبيسي مدننا، وفَرَّ بعضنا من الحضارة للعودة إلى موطننا الأصلي، البرية. تذكرتُ السجين الهارب. هل تمكن من الوصول إلى هيلا؟ هل افترسه أسد جبل؟ أم أنه نجا بطريقةٍ ما وعاش أيامه شيخًا ناسكًا لا تأتيه أنباء عن فناء العالم؟ وكذلك عثرت على "جو ساينز"، الذي يقود رحلات إلى قلب برية هيلا. اتصلتُ به وأخبرته أني أريد رؤية المكان الذي استحوذ على مخيلتي وأنا بعدُ طفل وأدى إلى بروز المفهوم الجديد للبرية. ساد الصمت برهة على الهاتف. وأخيرًا، استجاب بطريقته المتعقّلة المتأنية. كان الوقت متأخرا في موسم الرحلات، لكن مع إمكانية أن نجد متسعًا لرحلة أخيرة في منتصف نوفمبر، قبل سقوط الثلوج التي ستغطي الممرات الجبلية.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

درب  البَرَكات

درب البَرَكات

تمر طريق الحج الأشهر في اليابان بـ88 معبدًا على خطى راهب مشهور وُلد قبل 1250 عامًا.

شرائط المشتري  العاصفة

استكشاف

شرائط المشتري العاصفة

أمضت المركبة الفضائية "جونو" التابعة لوكالة "ناسا" أكثر من سبعة أعوام وهي تدور حول أكبر كواكب المجموعة الشمسية. ويستعين العلماء بالصور التفصيلية التي التقطتها للغلاف الجوي المضطرب لكوكب المشتري،...

انبعاث وجه

استكشاف

انبعاث وجه

بعد مرور أكثر من 500 عام على وفاة "عذراء الجليد" أو "سيدة أمباتو" في جبال الأنديز وزُهاء ثلاثة عقود على اكتشافها، أصبحنا قادرين على إنشاء ملامح وجهها.