البحر من ورائنـا

تحمل "غينا أسانتي" قفص دجاجات لبيعه، وهي بائعة متجولة في "وينيبا"، ميناء صيد تاريخي آخر في وسط غانا. تشير التقديرات إلى أن الفلاحة تشغل 50 بالمئة من العمالة في غانا.

البحر من ورائنـا

يستعد جزّارون للإطاحة ببقرة من أجل ذبحها في هذا المذبح لدى شاطئ قرية توجد في ضاحية مدينة "كيب كوست" الغانية. يشتغل جزء من أهالي قرية الصيد هذه في الزراعة وتربية الماشية لتنويع سُبل عيشهم وتخفيف الضغط على ثروتهم السمكية.

البحر من ورائنـا

يقف "برينس كافوتا" لدى الشاطئ حاملًا لعبة على شكل قارب صُنعت على منوال قوارب الصيد في بلدة "مامفورد". ويُعد البحر مكوِّنًا أساسيا من الهوية الغانية؛ وجُل الصيادين على طول ساحل غرب إفريقيا هم من غانا.

البحر من ورائنـا

في البحار الهائجة قبالة سواحل غرب إفريقيا، لا يقتصر الصيد على الشجعان، بل هو تقليد راسخ لدى المجتمعات الساحلية وتجسيد لاحترامهما الطبيعة.

قلم: نِيي أييكوي باركس

عدسة: دينيس دايو

4 سبتمبر 2022 - تابع لعدد سبتمبر 2022

على طول ساحلنا هذا.. لا شيء يخـفى عنّا.

إنْ تَستيقظ باكرًا بما يكفي لمشاهدة قوارب الصيد لدى وصولها إلى الشاطئ -في بورت بويه، ساحل العاج؛ وفي نغليشي، غانا؛ وفي أولد جيسوانغ، غامبيا؛ وفي غراند-بوبو، بنين؛ وفي أبام، غانا- فسوف تسمعُ هؤلاء الصيادين يتحدثون لغات الفانتي، والغا، والإيوي.. وجميع لغات غانا. وإذ يترجّلون من قواربهم فتتكشَّف أجسام كلًّ منهم في ضياء الشمس الطالعة وهم يسحبون الشباك، تتعالى هتافاتهم: "إي با أيي، إيي با كي لوو" (إنها آتية آتية؛ إنها حُبلى بالأسماك). هنالك تضع كل شبكة حِمْلَها ممّا جادت به الأعماق عليها. تتخبط الأسماك وتشيح وتتنطط بشكل بهلواني على الرمال وهي تتلألأ تحت أشعة الشمس، فيما تقوم الأيدي السريعة بفرزها في أحواض معدنية واسعة. لا تُشبه غَلَّة صيدِ اليوم نظيرتها بالأمس أبدًا. صحيحٌ أن هناك أصنافًا تجارية يَسهل تمييزها: النهاش، الهامور، التونة، الماكريل، الكبانلا (وهي نوع من سمك النازلي)؛ ولكن هناك حضور دائم للأصناف المرغوبة: جراد البحر، الأنقليس، الراي، وأنواع ذات أشكال وأحجام غريبة، بالعظام ومن دونها، بعضها يتمتع بسمات من شأنها إلهام مؤلفي كتب الخيال والرعب بالطريقة ذاتها التي ألهمت بها مخلوقات "فرونيما" (Phronima) البحرية فيلمَ هوليوود المرعب الشهير، (Alien). لكن لا مجال للرعب أو الصراخ هنا.. بل توابل تضفي اللذة على كل الأنواع. لا يهابُ شعب "غا"، الذي أنتمي إليه، أي شيء. ومقولة "أبليكوما أبا كوما وو" (فليكن للغرباء موطن بين ظهرانينا) هي إحدى القواعد الفلسفية التي تؤطر ثقافتنا؛ ولهذا فإن اسمي العائلي الأوروبي، باركس، الذي جلبه أحد أجدادي السيراليونيين من أصل جامايكي، يُعدّ اسمًا شائعًا لدى شعب "غا".

لكن في أوساط عائلات الصيد تحديدًا، لا أحد يُضاهي أهل غانا في ذلك. في عام 1963، أطلقت مجلة (West Africa) المتوقفة عن الصدور، اسم "صيادو قارة إفريقيا" على الغانيين، بحكم البلدان العديدة -من نيجيريا إلى السنغال- التي يستخدم فيها صيادو شعوب فانتي وإيوي وغا مهاراتهم خبراتهم. شَبّ وترعرع صيادو مناطق غانا الغربية والوسطى الناطقين بلغة الفانتي، على خوض غمار بعض من أهوج البحار على طول الساحل؛ حتى إنهم لم يصبحوا أعتى سبّاحي بحار في العالم فحسب (فلقد كان الرحّالة الأوروبيون في القرنين السادس عشر والسابع عشر منبهرين بمهارات السبّاحين في غرب إفريقيا)، بل أيضًا خبراء في الإبحار بالقوارب. حتى في أوساط شعب "غا"، عادةً ما ينتمي الصيادون الأكثر وقارًا وتبجيلًا، وهم "الولياتسي"، إلى "الأبيسي-فانتي أكوتسو" (شبكة من العائلات)، وهم مجموعة "فانتي" تم تجنيسها لتصبح من شعب "غا". وهذا التحول السلس للهوية من "فانتي" إلى "غا" متجذر في القيم المشتركة المتعلقة بالسعي للحفاظ على سبل عيشهما. ولا تصيد أيٌّ من المجموعتين السمكَ في البحر يوم الثلاثاء أو في المياه العذبة يوم الخميس؛ فذلك من المحرَّمات، وبالتالي فإن الاستراحة الأسبوعية تسمح لأرواح الماء بتجديد المخزون السمكي.. وهو تَصَرّف مفعم بروح الحفاظ على الطبيعة، متجذر في الثقافة والتقاليد.

وتتجسد تلك الروح بصورة أوضح في حقيقة أن فكرة صون الطبيعة تؤطر نطاق المهارات التي اكتسبتها مجتمعات الصيد الغانية. إذ يعمل عدد كبير من الصيادين مزارعينَ غير متفرغين، يعودون إلى حقولهم مرة أو مرتين سنويًا حين يتناقص المخزون السمكي. أما الذين لا يمارسون الزراعة فيُحاكون أنماط هجرة أنواع السمك الأساسية المستهلَكة حيث يعيشون، أو يقصدون مناطق يمكن العثور فيها على أسماك بديلة. فسمكة الحاسوم -على سبيل المثال- التي تُصطاد في السنغال وغامبيا، يمكن أن تحلّ مَحل السمكة العظمية، التي تُعدّ طعامًا شهيًا وأثيرًا بالمنطقة الوسطى من غانا. وتتجسّد تلك الروح أيضًا في وفرة الأسماك التي شحذت لدى الأهالي مهارات تجفيف السمك وتدخينه على طول الساحل. إذ يضمن المخزون الوفير من السمك المدخن أن البروتين الأساس للوجبات الساحلية متاح بيُسر، بصرف النظر عن تقلبات المواسم. إن فقدان هذا الصياد أو ذاك في البحر بين الفينة والأخرى، وعدم القدرة على التنبؤ بغلّة الصيد.. حقيقةٌ تعني أن عائلات الصيادين تسلّم أحلامها في نهاية المطاف إلى يد القدر وتقلّباته. يمنح الصيادون غلة صيدهم الثمينة لنساء بلداتهم؛ واللواتي يبعنه ويقمن أعمالًا جبّارة بهذا المال: التجارة والزراعة وتعليم الأطفال الذين يركضون على طول الشاطئ ويصنعون الألعاب، فيما يكون الرجال بين أحضان البحر في قواربهم.

فحتى عندما لا يعود هؤلاء الرجال أبدًا، فإنهم يتركون وراءهم شيئًا. كان ابن عمي الذي شاركني الاسم نفسه -أييكوي- من أولئك الذين لم يعودوا أبدًا. ففي عام 1992، يومَ كنت أخوض رحلتي الأولى للعيش خارج العاصمة، أكرا، في طولون، بعيدًا بنحو 650 كيلومترًا في شمال غانا، قال لي هذا الكلام الذي لم يغِب عن ذهني قَط: لا داعي للتوتر. فنحن شعب "غا". الماء من ورائنا، لذا لا ينبغي أن نخشى شيئًا.
الآن.. أينما حللتُ وارتحلت، في خضم لُجَج الغرابة، أغمض عيني وأصيخ السمع إلى الماء.

وحيـش يأبى الثبات

وحيـش يأبى الثبات

ترقُّبُ اكتشافات الديناصورات يعني أن وجهة النظر بشأنها لا تفتأ تتغير.

مــاذا لــو اختفــت الشمس.. الآن

استكشاف

مــاذا لــو اختفــت الشمس.. الآن

وُهِبنا في هذه الحياة، نحن البشر وسائر المخلوقات الأخرى، أشياء مجانية كثيرة؛ لعل من أبرزها ضوء الشمس. ولكن هل تساءل أحدٌ منّا يومًا عمّا سيحدث لو أن الشمس اختفت من حياتنا؟

لحظات مذهلة

لحظات مذهلة

يحكي مصورو ناشيونال جيوغرافيك، من خلال سلسلة وثائقية جديدة تستكشف عملهم، القصصَ التي كانت وراء صورهم الأكثر شهرة.