المومياوات التي لم تسمع بها من قبل

رقدت هذه المومياء في كهف لا يُعرف مكانه اليوم في جزيرة تنريفي. الصورة: FERNANDO VELASCO MORA، بإذن من "متحف إسبانيا الوطني للآثار"، مدريد.

المومياوات التي لم تسمع بها من قبل

علماء يستخدمون تقنيات حديثة لحل لغز استيطان جزر الكناري وقصة "الألف مومياء".

قلم: إيما ليرا

5 June 2022

على بُعد أربعة كيلومترات من المنحدرات المطلة على البحر، توقفت عند ذلك الكهف. مدخله لا يُرى بسهولة. نظرت إلى الصخور الصماء، وشعرت أنها تبادلني النظرات. مئات الكهوف التي تشكلت على مر القرون من حمم بركان جبل "تيد". أحد هذه الكهوف قد يكون وجهتنا المنشودة. التاريخ هنا لم يُكتب بعد.

نحن في تنريفي أكبر جزر الكناري الإسبانية. عثر على كهفنا المنشود القائد الإسباني "لويس رومان" في عام 1764. كتب عن هذا الاكتشاف قسيس عاصر الأحداث قائلًا: "لقد عُثر للتو على مدفن رائع الجمال، مليء بمومياوات كثيرة. هناك على الأقل ألف مومياء". وهنا ولدت أسطورة الألف مومياء. وبعد قرنين ونصف القرن ما تزال البعثات الاستكشافية تحاول تتبع الخيط الرفيع بين التاريخ والأسطورة في وادي الموتى. ليس هناك إحداثيات مكتوبة للكهف المذكور. موقعه سر يعرفه قلائل ولا يدرك وجوده المغامرون والمتنزهون في المنطقة. أشعر بالامتنان لمجيئي مع أصدقاء محليين سوف يأخذونني إلى مرقد أجدادهم. انحنينا لدخول الكهف الصغير، وزحفنا في ممرات ضيقة حتى وصلنا إلى قاعة مهيبة. تقول "ميلا سوزا"، مؤرخة محلية: "بوصفنا مؤرخين نعتقد أن عبارة [ألف مومياء] هي مبالغة تعكس العثور على الكثير من المومياوات، ربما المئات". بدأت عيوننا تعتاد على الظلام وبدأنا باستكشاف المقبرة الأسطورية.

لم يُعثر على أولى المومياوات في هذا الكهف، حيث تشير الحكايات المحلية إلى كهف آخر شبيه بهذا الكهف، عُثر فيه على مدفن الملوك التسعة الذين حكموا الجزيرة قبل المرحلة الاستعمارية. بقي مكان الكهف سرًا دون أي سجل يُشير إلى مكانه، مما رفع من مكانته وأسطوريته. يحتفظ السكان المحليون بهذا السر لحماية ذكرى أجدادهم الراقدين هنا. والسكان الأصليون للجزيرة، المعروفين باسم "الجوانش"، ليس لهم وجود منفصل اليوم. ويقول البعض أنهم انقرضوا بفعل انهيار أرضي دفنهم جميعًا. اقتلع مستكشفو القرن الثامن عشر كثيرًا من المومياوات من مراقدها، وفُقدت إلى الأبد، فيما بقيت حفنة منها في المتاحف لتساعد العلماء في التعرف إلى قصة الأرخبيل والمكان الذي أتى منه سكانه الأصليون.

وقعت تينريفي في قبضة قتشالة عام 1494. لم تكن هذه المرة الأولى التي يقاتل فيها السكان الأصليون الأوروبيين، ولكنها كانت الأخيرة. تتخيل ميلا سوزا هذا التناقض في بداية عصر النهضة. جنود قادمون على متن السفن، يحملون السيوف ويمتطون الجياد. يواجهون قومًا خرجوا للتو من العصر الحجري الحديث. يسكنون الكهوف ويرتدون فراء الحيوانات ويستخدمون أدوات صُنعت من الحجارة وفروع الشجر. لكنهم اهتموا بتكريم أمواتهم وتجهيزهم لرحلتهم الأخيرة. إذ اهتم المستعمرون بتوثيق شعائر الجنائز. تقول سوزا: "اهتم القشتاليون بعملية التحنيط خصوصًا".

تخيلت الانبهار الذي شعر به "لويس رامون" عندما قاده المحليون إلى المدفن بهدف اختيار مجموعة من النماذج للدراسة. في أوروبا كانت المومياوات تجتذب الباحثين وجامعي التحف على حدٍ سواء. تخيلت رامون رافعًا المشعل ليضيء آلاف المومياوات التي بدت كأن الزمن توقف بها. وامتنع الكاتب الذي لخص تقرير الرحلة عن ذكر موقع الكهف لتجنب نهبه. لكنه فشل، حيث تشير مصادر إلى اختفاء جميع المومياوات بحلول عام 1833. عملية التحنيط بسيطة بحسب سوزا، وتشبه عملية حفظ الطعام. لقد استخدموا الأعشاب والشحم، وتم تجفيف الأجساد في الشمس ثم تدخينها. استغرقت العملية 15 يومًا. تقول "ماريا غارسيا"، قيّمة "معهد الأنثروبولوجيا الحيوية" في تنريفي: "لدينا حوالى 30 مومياء عثر عليها المتنزهون ورعاة الغنم في مواقع مختلفة في تنريفي. إذًا أين الألف مومياء؟". وتضيف: "لقدت نُهبت. اجتذبت المومياوات الأوروبيين في القرنين الثامن والتاسع عشر. لقد سافرت مومياواتنا حول العالم لتعرض في المتاحف والمجموعات الخاصة. لقد طحنت بعض المومياوات لإنتاج مساحيق مثيرة للشهوة". وتقبع بعض المومياوات في قاع المحيط، حيث أُلقيت في البحر عندما أسهمت رطوبة السفن في بدء تحللها في طريقها إلى أوروبا. وتُضيف غارسيا: "لا نعرف الكثير عن قبور المومياوات التي بحوزتنا. لم يعثر عالم أنثروبولوجيا واحد على مومياء في بيئتها الأصلية".

وتُشير أساطير إلى أن السكان المحليين بحارة متوسطيون نزلوا بالجزيرة. وقد رصد البحارة الأوروبيون أن الكناري –على عكس جزر الأطلسي الأخرى– مأهولة، وسكانها معزولون عن العالم منذ قرون. ويقول المؤرخون أن السكان الأصليون بيض طوال القامة. رسخ هذا الوصف المعتقدات القائلة بأنهم أحفاد بحارة ناجين من سفن تحطمت في الجزيرة، بحارتها من الباسك أو الكلت أو القراصنة الإسكندنافيين. لكن التقنية الحديثة قالت كلمتها الفصل اليوم. في عام 1767، نُقلت مومياء إلى مدريد هديًة للملك "تشارلز الثالث". وعُرضت في معرض باريس الدولي عام 1878 قبل أن تُعاد إلى مدريد، حيث رقدت في متحف المدينة لأكثر من مئة عام. وفي 2016 ذهبت المومياء في رحلة قصيرة إلى المستشفى لأخذ صورة أشعة مقطعية. كشفت الصورة عن ذكر طويل القامة بصحة جيدة. قد يكون من النبلاء نظرًا لحالة يديه وقدميه وأسنانه، ويُتوقع أن عمره يبلغ ما بين 35 و 40 عامًا، ومات قبل حوالى 900 سنة، أي قبل زمن طويل من وصول القشتاليين. عانى عموده الفقري من اختلال منتشر بين سكان شمال إفريقيا. كما عكست ملامح وجهه قربه منهم. لا تترك هذه الصور شكًا في القرابة بين السكان الأصليين للكناري وشعوب شمال أفريقيا. وفي الكهف قدم لي زملائي قدحًا يشبه الأقداح التي استخدمها الجوانش لشرب الحليب عند القسم. وسألوني: "أتقسم أن تحفظ سر مكان الكهف؟" في الظلام وبين أرواح من رقدوا في هذا الكهف لمئات السنين، أجبت: "نعم، أقسم على ذلك".

علوم

المومياوات التي لم تسمع بها من قبل

المومياوات التي لم تسمع بها من قبل

علماء يستخدمون تقنيات حديثة لحل لغز استيطان جزر الكناري وقصة "الألف مومياء".

طريق الكباش: عودة موكب "الزواج المقدس" إلى طيبة

علوم حضارات

طريق الكباش: عودة موكب "الزواج المقدس" إلى طيبة

بحسب علماء آثار فإن اللقاء السنوي بين آمون رع (آله الشمس) وزوجته "موت" كان احتفالًا بالزواج المقدس.

اكتشاف جداريات أشورية عمرها 2700 عام في العراق

علوم حضارات

اكتشاف جداريات أشورية عمرها 2700 عام في العراق

تعدّ الثيران المجنحة والجداريات الهائلة، أبرز ما وصل العصر الحالي من آثار الامبراطورية الآشورية.