جواهر تحت البحر..  والإجهاد

ظلال مميزة لأسماك القادوح "حمراء الأسنان" تحوم فوق نهر متدفق من أسماك بليني "المُدان" اليافعة فوق شِعب مرجاني لدى "ممر جزيرة فيردي". لا تزال هذه المنطقة من الفلبين محافِظةً على تنوعها الحيوي الهائل، على الرغم من الصيد الجائر والتلوث.

جواهر تحت البحر..  والإجهاد

بعد خوضها معارك ضارية دفاعًا عن البيوض في عشها، تستلقي سمكة قادوح "عملاقة" منهكة، في محاولة أخيرة لإنقاذ صغارها من أفواه أسماك الراس "القمرية" في موقع "بياتريس روك" قبالة "أنيلاو". يجتذب المرجان المتين على هذا الشِّعب مجموعة مذهلة من الكائنات البحرية.. وكذا الغواصين المتحمسين لرؤيتها.

جواهر تحت البحر..  والإجهاد

تَسبح سمكة راس "ذات البقعتين" وسمكة "قرنية" في مستعمرة لثعابين "الحدائق" -تقارب مساحتها نصف مساحة ملعب كرة القدم- على منحدر رملي غير بعيد عن بلدة "دوين" في جزيرة" نيغروس". لدى هاتين السمكتين طَبع اجتماعي ولكنهما خجولتان، إذ تختفيا في جحورهما عند الإزعاج. التُقطت هذه الصورة بكاميرا على حامل ثلاثي القوائم متصل بكابل طويل للتحكم من بعد؛ واختبأ المصوران خلف حطام سفينة.

جواهر تحت البحر..  والإجهاد

كُتل من مرجان زهري ناعم ومرجان الكأس بلون العظام، تحتشد حولها أسماك "أنثياس" قبالة جزيرة "بيسكادور"، غير بعيد عن جزيرة "سيبو". تنبض الشعاب المرجانية الأسلَم في الفلبين بالحياة، شأنها كشأن جميع تلك التي شاهدها المصوران "ديفيد دوبيليه" و"جينيفر هايس" أثناء استكشافهما محيطات العالم.

جواهر تحت البحر..  والإجهاد

سائحون يسبحون مع أسماك قرش الحوت غير بعيد عن بلدة "أوسلوب"، في جزيرة سيبو؛ ضاربينَ مثلًا على التوتر القائم بين استخدام المحيط وحمايته. يقوم الأدلاء بإلقاء الروبيان لاجتذاب أسماك القرش، ويخشى العلماء أن يؤدي ذلك إلى تغيّر سلوك هذا الحيوان. لكن السياحة يمكن أن تحل محل الصيد في الاقتصاد، لتساعد في حِفظ الشعاب المرجانية.

جواهر تحت البحر..  والإجهاد

ضربت "بيل غوز"، وهي ناقلة إسمنت، الشِّعب المرجاني قبالة جزيرة "مالاباسكوا"، فكادت أن تصيب موقع غوص أثير لدى الغواصين، حيث تحظى أسماك قرش "الدراس" نادرة الوجود بالتنظيف من لدن أسماك الراس. ولو أن السفينة اصطدمت بحمّام أسماك القرش هذا، فلربما عطّلت سلوك القرش الراسخ ودمرت السياحة البيئية في المنطقة.

جواهر تحت البحر..  والإجهاد

تتوقف سلحفاة "صقرية المنقار" عن أكل إسفنجيات محشورة تحت المرجان لتواجه انعكاس صورتها، لدى "منتزه شعاب توباثاها الطبيعي" في بحر سولو. يزخر هذا المنتزه بالحياة، ويُعدّ موقع تراث عالمي لدى "اليونسكو"، وهو محروس من قبل حراس متمركزين لدى جزيرة مرجانية نائية.

جواهر تحت البحر..  والإجهاد

وابل من أسماك أنثياس "برتقالية الزعانف" يتدفق في التيارات القوية لدى "ممر جزيرة فيردي"، لتناول وجبات عوالق شهية. يُعد هذا المضيق الغني بالمُغذّيات -ويفصل بين جزيرتَي "لوزون و"ميندورو"- أحد أكثر النظم البيئية البحرية إنتاجية في العالم، بالإضافة إلى كونه ممرَّ ملاحة مفعمًا بالحركة يُفضي إلى مانيلا.

جواهر تحت البحر..  والإجهاد

تَجثم طيور الأطيش البُنية على مرجان لدى جزيرة "بيرد"، وهي مستعمَرة لتكاثر الطيور في "توباثاها"، التي تؤوي أكثر من 100 نوع من الطيور. لكن هذا الموئل الحيوي -موقع التكاثر الرئيس للأطيش البني في الفلبين- آخذ في الانكماش بفعل ارتفاع مستوى سطح البحار من جراء تغير المناخ.

جواهر تحت البحر..  والإجهاد

ترعى أسماك شقائق النعمان "الزهرية" مضيّفتها شقائق النعمان البحرية، حيث تتخذ مسكنًا لها؛ فيما تَكمن سمكة عقرب البحر غير مرئية تقريبًا تحت المرجان لدى جزيرة "سوميلون". سمكة عقرب البحر من أسياد التنكر والتمويه، إذ تَكمن للفرائس -ومنها سمكة شقائق النعمان- منتهزةً اللحظة المناسبة للانقضاض عليها.

جواهر تحت البحر.. والإجهاد

تحمي الفلبين بعضًا من أروع الشعاب المرجانية في العالم. لكن بعضها الآخر يتضرر بسبب تغير المناخ والصيد المدمر.

قلم: كينيدي وارن

عدسة: ديفيد دوبيليه و جينيفر هايس

1 June 2022 - تابع لعدد يونيو 2022

أنا أعبر صحراء، لكنها ليست من رمال. إني أسبح في قِفار من أنقاض.. بقايا شِعب مرجاني مسحوق. جفلتُ من مشهدها الأجرد القاحل.

في أماكن أخرى في الفلبين، لطالما دُهشتُ من شِعاب مرجان رائعة متنوعة كأنها عُلب جواهر. فهذه المنطقة من المحيطين الهندي والهادي -المعروفة باسم "مثلث المرجان"- هي أغنى كنز بحري متنوع على كوكب الأرض. إذ يوجد ههنا أكثر من 500 نوع من المرجان -ثلاثة أرباع كل الأنواع المعروفة- شيَّدَت شِعابًا مرجانية تغطي مساحة تناهز الـ 73 ألف كيلومتر مربع. وتعيش في هذه المدن المغمورة كائناتٌ لا تُعد ولا تحصى. فالفلبين، قمة مثلث المرجان، تمتلك ما يقرب من 1800 نوع من سمك الشعاب المرجانية.

ومع ذلك، فإن هذه المقبرة المرجانية التي أنا بصدد استكشافها لا تؤوي سوى لاجئين. أرى سمكة "الراس المنظفة" وأشعر بوخزة حزن. دورها في المنظومة البيئية للشعاب المرجانية هو تنظيف الأسماك الأخرى من خلال تخليص أجسامها من الطفيليات وغيرها من الكائنات البحرية الجوّالة. لكن هذه المنظفة لا تجد من تنظف. إنها تسبح في عزلة بائسة مقفرة. الشعاب المرجانية من حولها منهارة متهاوية كأشجار أصابها إعصار. وسط الجذوع النافقة، يُومض شيءٌ ما في ضوء الشمس. التقطتُه فإذا به قاع قنينة زجاجية مكسورة. لقد رأيتُ من قبلُ قنينات مثل هذه مليئة بأسمدة النترات ويعلوها صاعق وفتيل. أشعل الفتيل، ثم ألقِ القنينة في البحر؛ وسيصعق الانفجارُ الأسماك أو يقتلها في الحين، فتطفو على السطح ليجمعها الصيادون. إن هذا الصيد بالتفجير مميتٌ للأسماك وخطير على الصيادين. فإذا انفجرت القنينة في وقت أبكر من المطلوب، فقد يفقد المرءُ يدًا أو ذراعًا أو حياته. مات صياد سمك بهذه الطريقة قبل يومين من وصولي إلى شِعاب "داناجون بانك" المرجانية، البعيدة 30 كيلومترًا شرق جزيرة "سيبو" بمنطقة من الفلبين لها تاريخ طويل من ممارسات الصيد المدمرة: المتفجرات، والسيانيد لإخراج السمك من الشقوق المرجانية، والشبكات الرفيعة جدًا التي تمسك أي شيء يتحرك.

كل هذه الأساليب غير قانونية.. وكلها ما زالت قيد الاستخدام. إنها تشكل كارثة تراكمية على الشعاب المرجانية، واستنزافًا فوريًا للحياة البحرية أكثر من المآسي البطيئة المتمثلة في انخفاض المخزونات السمكية، والتلوث، وتغير المناخ. رأيتُ شخصًا من بعيد يجمع شيئًا من أنقاض المرجان التي خلّفها الديناميت، فسبحت باتجاهه. كان يرتدي قميصًا بأكمام طويلة وبنطالًا وقلنسوة على رأسه فيها ثقوب للعينين والفم. كان يضع نظارات سباحة متآكلة على عينيه وربطَ إلى قدميه قطعتَي خشب رقائقي اتّخذهما زعانف. "قنديل البحر؟"، سألتُه مشيرًا إلى قلنسوته. إذْ كان قائدُ قارَبي قد أخبرني عن صراعه ضد قنديل بحر في هذه المياه. لم يسعفه الوقت سوى ليصرخ قليلًا طلبًا للنجدة، قبل أن يفقد وعيه من شدة الألم اللاذع الذي تلقّاه من لوامس هذا الحيوان. أراني الرجلُ الكدمات الموجودة على ذراعه وبطنه، والتي لا تزال ظاهرةً حتى بعد انقضاء 15 عامًا. أجابني الغطاس قائلًا: "الشمس". إذ أخبرني أنه لكي يجمع ما يكفي من طعام لعائلته، فهو غالبًا ما يضطر للبقاء في العراء نصف يوم تحت الحر الشديد، إذ يُمشط الشعاب المرجانية. سحب صندوقًا من البوليسترين ليضع فيه كل ما التقط: حلزونات، آذان بحر، قنافذ بحر، سرطانات، وأسماك.. إنْ حالفه الحظ. يَستخدم خطافًا في يد ورمحًا في اليد الأخرى. يقوم بوخز المرجان ورجّه ورفعه واختراقه. هنالك رأيت هَبَّةً مفاجئة من الحبر الأسود إذ طعن حبارًا برمحه. التقَط خيار بحر وناولني إيّاه. كانت هُدبٌ من الخيوط البيضاء تزيّن طرفه الخلفي. وقبل أن يرتد إلي طرفي، انطلقت الخيوط فالتفَّت حول يدي، ملتصقةً ببشرتي مثل الغراء القوي.. إنه رد فعل حيوان عند تعرضه للإزعاج. قمت بفك خيوط المخلوق المتشابكة وتم وضعه في صندوق الصيد.

إن البحث الشاق لصاحبنا هذا عن الطعام بذلك الأسلوب أمرٌ يحدث عبر أنحاء الفلبين، وفي كل ركن من مثلث المرجان؛ إذ تتنامى أعداد الناس الساعين وراء كميات أسماك ما تنفك تتناقص. فالبحر لدى ملايين الفلبينيين عماد الحياة. في منطقة داناجون، تعتمد ثلاثة أرباع العوائل على صيد السمك في غذائها وسُبل عيشها. وقد شهِدوا انخفاضًا في معدلات حصيلة الصيد بمقدار 10 أضعاف في جيل واحد. ويتأتّى ربع كمية الأسماك التي تُصطاد في داناجون عن طريق ممارسات صيد غير قانونية ومدمرة. فصيادو الكفاف، الذين يعيشون عند خط الفقر أو تحته، يدفعهم اليأس دفعًا لاستعمال تلك الأساليب. يستخدم الفلبينيون عبارة "كابيت سا باتاليم" (تَسَلّح بشفرة)؛ إذ يعمد شخص يائس إلى جلب طعامه من البحر باستخدام أي وسيلة، حتى وإن كانت سكينًا حادة، خارقًا بذلك القانون، ومعرِّضًا نفسه للاعتقال، ومدمرًا الشعاب المرجانية التي هي شريان حياته وحياة بني جلدته.

في بعض أشهر السنة، لا يتمكن هؤلاء الغطّاسون من جمع سوى 250 جرامًا أو نحو ذلك من المأكولات البحرية في كل ساعة من الشعاب المرجانية المستنزَفة. شاهدتُ ذلك الغطّاس يأخذ نفَسًا عميقًا آخر، ويضرب بزعانفه الخشبية، ثم ينزل إلى الشعاب المرجانية. هنالك رُحتُ أنا أيضا أغوص لأجمع.. المعلومات؛ متطلعًا إلى معرفة كيف يمكن الحفاظ على الشعاب المرجانية ليس فقط من الاستغلال المتزايد بل أيضًا من التغييرات التي يقترفها الإنسان في المحيط نفسه. فاحترار البحار، وتحمّض البحار، وارتفاع مستوى سطح البحار.. كلها عوامل تلقي بظلالها القاتمة عبر الشعاب المرجانية في أرجاء العالم. قبالة ساحل بالاوان، الجزيرة التي تشبه الإصبع على الجانب الغربي من الفلبين، عاينتُ مشهدًا لِما هو آت. إذ غُصت في عالم مقبور من الشعاب المرجانية المُبْيَضَّة. فههنا كانت درجات حرارة البحر قد تجاوزت العتبة التي تنفصل عندها السلائل المرجانية عن الطحالب التكافلية التي تمنحها ألوانها المشكالية المتغيرة. كان المرجان أبيض اللون كالجليد، وتيارات من الوحل تتطاير من رؤوسه الآيلة للنفوق. حتى الأسماك بدت في حالة ذهول في هذا المنظر الطبيعي أحادي اللون.

يقول بعض علماء المرجان إن أحداث التبيّض الجماعي، التي كانت تحدث مرة كل بضعة عقود، قد تصبح سنوية عمّا قريب، إذ يتزايد تركيز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وما لا تقتله درجات حرارة البحر المتنامية، سوف يقتله التحمض. إذ ستصل الشعاب المرجانية إلى نقطة تحول يبدأ عندها هيكل المرجان الكربوني في التحلل على نحو أسرع مما يمكنه التشكل. وعندما يحدث ذلك، فسوف تبدأ الشعاب في التفكك والانهيار. وبالنتيجة، ستشرع المنظومة البيئية الأكثر تنوعًا بالمحيط -ميزة كوكبنا منذ 240 مليون سنة- في الاختفاء. فهل يا ترى ستكون لهذه القصة البائسة نهاية مختلفة؛ أو على الأقل مؤجَّلة؟ إن بني البشر لَفِي مقامرة هي الأكبر على الإطلاق، وإنّ مخاطرها لَتَفُوق التصور.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

وحيـش يأبى الثبات

وحيـش يأبى الثبات

ترقُّبُ اكتشافات الديناصورات يعني أن وجهة النظر بشأنها لا تفتأ تتغير.

مــاذا لــو اختفــت الشمس.. الآن

استكشاف

مــاذا لــو اختفــت الشمس.. الآن

وُهِبنا في هذه الحياة، نحن البشر وسائر المخلوقات الأخرى، أشياء مجانية كثيرة؛ لعل من أبرزها ضوء الشمس. ولكن هل تساءل أحدٌ منّا يومًا عمّا سيحدث لو أن الشمس اختفت من حياتنا؟

لحظات مذهلة

لحظات مذهلة

يحكي مصورو ناشيونال جيوغرافيك، من خلال سلسلة وثائقية جديدة تستكشف عملهم، القصصَ التي كانت وراء صورهم الأكثر شهرة.