توغل في الأعماق

مستكشف الكهوف "ميكوواج هاراسيموفيتش" يتنقل خلف المخيم الأول لـ "تشيفيه" في جزء من هذا الكهف مليء بالتحديات، يسمى "سلمون لادرز" (سلالم السلمون) بالنظر إلى أوجه تشابهه مع العقبات التي يجب أن يتغلب عليها السلمون للتنقل إلى أعلى النهر حتى يبيض.Pablo Durana

توغل في الأعماق

فوجئ مستكشف الكهوف، "كوري هاكلي" بعد عملية تسلق شديدة الانحدار تحت الأرض، بالعثور على ممر هائل يظهر هنا وقد غمره ضوء ساطع.Kasia Biernacka

توغل في الأعماق

ظل رواد الكهوف من ذوي المهارات الفائقة يترددون، منذ عقود من الزمان، إلى المكسيك لاستكشاف متاهة داخل أحد الجبال: "كهف تشيفيه" الذي ربما (أو ربما لا) يكون أعمق كهف على وجه الأرض.

قلم: مايا وي-هاس

1 June 2022 - تابع لعدد يونيو 2022

في يوم ربيعي خلت سماؤه من الغيوم في جنوب المكسيك، سرتُ خلف أربعة مستكشفي كهوف فوق تل مكلل بأشجار الصنوبر، أسفل 49 درجة ترابية، وعبر حقل عشبي. اقتربنا من سطح صخري شاهق على جانب جبل هائل للغاية حتى إنه ليَصعب على البصر إدراكه كليًا. لكن ما جذبني إلى هذا المكان، أنا و69 من أفضل مستكشفي الكهوف في العالم ينتمون إلى تسعة بلدان، يَكمن في قاعدته. فخلف شق عميق يتخلل أسفل السطح الصخري، يوجد "كهف تشيفيه" الذي يُحتمل أن يكون أعمق كهوف الأرض. ومع ظهور بِنيته الجيولوجية الهائلة بشكل كامل وواضح، سمعت عبارةً تَجمع بين الرهبة والإعجاب تنفلت بهدوء من فم "كوري هاكلي"، مستكشف الكهوف الذي كان أمامي. وكان ذلك عامه الخامس الذي أمضاه في استكشاف "تشيفيه"، إذ لا تزال عظمته تثير مشاعر الرهبة في دواخله. ويقول هاكلي، الذي دأب على استكشاف الكهوف منذ أن كان في العاشرة من عمره: "لا يمكن تصور حجم هذا المكان. فهو ليس جزءًا من كوكب الأرض، في رأيي". ازداد قلق هاكلي خلال الأيام القليلة الماضية بعد أن أُجبر على البقاء في مخيم الانطلاق للخضوع لحجر احترازي من "كوفيد19-". وكان يصف الصخب الذي يُسمع على السطح بأنه "خانق"؛ والحال أن هذه العبارة يمكن أن يصف بها البعض الهواء المحصور في الكهف. لكن الأعماق بالنسبة إلى هاكلي ومستكشفين آخرين، هي على خلاف ذلك.
إذ هي آخر حدود الاستكشاف.
في عام 1990، ألقى مستكشفون صبغة خضراء في الجدول المتدفق إلى مدخل "تشيفيه". فاكتشفوا المياه الملونة وهي تبقبق بالقرب من سفح الجبل، على بعد نحو 2.6 كيلومتر من أعلى مدخل معروف للكهف في ذلك الوقت. وإذا تمكن إنسان من التنقل على طول مجرى المياه بالكامل، فسيُعلَن "تشيفيه" أعمق كهف في العالم، متفوقًا على صاحب الرقم القياسي الحالي -كهف "فيريوفكينا" في أبخازيا بجورجيا- بنحو 400 متر. لقد ظل هذا الاحتمال المغري منذ عقود يجتذب العديد من المستكشفين، وكانت هذه الرحلة الاستكشافية لعام 2021 أكبر خطوة في هذا الاتجاه حتى الآن. فقد سجل طاقم مستكشفي الكهوف بقيادة مستكشف ناشيونال جيوغرافيك، "بيل ستون"، أكثر من 1500 ليلة تراكمية تحت الأرض واكتشفوا أكثر من 20 كيلومترًا من الممرات المجهولة. التقيت ستون أول مرة، في أعقاب صعوده السطح بعد أكثر من أسبوعين أمضاهما تحت الأرض؛ وكانت تلك إحدى رحلاته العديدة إلى "تشيفيه" منذ عام 1988. سألني ستون -وهو شخص وقور فارع القامة- هل سبق لي زيارة الكهف حتى ذلك الوقت. فأخبرته عن اتباعي خطى أحد أعضاء فريقه. كنت قد رافقت "رايلي بلاكويل" كالظل؛ فكانت تتحرك عبر "تشيفيه" بالخطوات الواثقة لراقصة تؤدي حركات مألوفة. ولم نمض سوى 10 دقائق داخل الكهف حتى وصلنا إلى أول سلسلة من الانحدارات الحادة، ونحن معلقتان في جزء من الحبال التي كان مستكشفو الكهوف قد مدوها على طول كيلومترات، ثم ذهبنا باتجاه الأسفل. كان صدى صيحات بلاكويل المبتهجة يتردد وسط الظلام إذ كنا نندفع مسرعتين فوق الصخور المتساقطة وعلى طول الجدران الصدفيّة، إلى أن بلغنا قاعدة "شلالات أنخيل" على عمق نحو 300 متر. ويقع خلفها أول المخيماتُ الخمسة التي كان الفريق قد أقامها في ذلك الوقت. 
وبينما كنت مسترسلة بحماس كبير في حديثي عن تجارب ذلك اليوم مع ستون، عَلت وجهَهُ نظرةُ مَكْر ثم قال: "هذا ليس سوى غيض من فيض. فالمخيم الأول يعد روضة أطفال فحسب". ويسير مستكشفو الكهوف وسط متاهة متعددة المستويات عبر الجزء السفلي من الجبل. فقد نحتت الأنهار على مرّ ملايين السنين ممرات كبيرة يمكن أن تسع طائرة "بوينغ" من طراز 747؛ وتوجد ممرات أخرى ضيقة للغاية، إذ لا يستطيع مستكشفو الكهوف عبورها إلا أثناء زفيرهم لضغط أقفاصهم الصدرية.
وفي الوقت الذي يختبر فيه طاقم ستون حدود الاستكشاف باندفاعهم نحو مستويات غير مسبوقة من حيث العمق وجمعهم بيانات مفصلة أثناء سيرهم، تظل الصداقة الحميمة وروح العمل الجماعي من المقومات الضرورية. وبنهاية موسم 2021، كان المخيم الأبعد والأعمق يقع على مسافة 11.8 كيلومتر، أو على مسافة رحلة تستغرق نحو خمسة أيام، من أقرب مدخل. ولا تعمل عند تلك النقطة سوى قلة قليلة. ويتولى آخرون العناية بالحبال الممدودة على طول كيلومترات أو يبحثون عن طرق أسرع وأكثر أمانًا. ويتعين على الجميع نقل أمتعة ثقيلة بالإمدادات والأطعمة كثيفة الطاقة لتموين المخيمات. فكل قضمة طعام تحت الأرض، كما يقول ستون، "دفعت سلسلة كاملة من الأشخاص ثمنها عرقًا".

ويُورد الناس في "تشيفيه" أسبابًا مختلفة لإقبالهم على استكشاف الكهوف. فكثيرون يدفعهم "فضولٌ نهم"، على حد قول بلاكويل. وتستخدم هي وهاكلي كلمة "إكراه" لوصف رغبتهم في البحث عن ممرات جديدة. لكن البحث يمكن أن يكون مثبِّطًا للهِمم والجهود. ويستحضر هاكلي وزميلته في الفريق، "بيف شيد"، لحظة كئيبة مرّا بها في عام 2017 أثناء البحث عن طريق عبر أحد أقسام الكهف. وسميت على اسم شاطئ مكسيكي خلاب، ولكنها في الواقع (تُبرز روح الدعابة لدى مستكشفي الكهوف) كانت شِعبًا ضيقًا حيث كان الماء والطين يرشقانهما من حفرة في السقف. ويتذكر هاكلي أن شيد استدارت نحوه وهي مغطاة بالوحل المائع لتقول له: "أتساءل أحيانًا لمَ لا تكون لي هواية مختلفة كمراقبة الطيور". وتنسج هذه اللحظات روابط وثيقة بين مستكشفي الكهوف؛ وهو ما يتضح في لحظات الضحك التي يتقاسمها هاكلي وشيد أثناء سرد قصتهما.
وتمثل روح المجموعة القوية دافعًا كبيرًا جعل شيد تُبقي على هذا الشغف مدة تناهز الـ 30 عامًا منذ أن حضرت أول حدث في ريادة الكهوف وهي لا تزال في سن السادسة عشرة بمسقط رأسها في مدينة أوستن بتكساس. فهي تجد الصفاء والسكينة تحت الأرض أيضًا، "بعيدًا عن فوضى الحياة اليومية". ويرى كثيرون أن ريادة الكهوف تمكنهم كذلك من الاستمتاع الكامل بالحياة. فخلال رحلة يوم واحد لاستكشاف مداخل أخرى لكهف "تشيفيه"، وجد ثلاثة من أعضاء الفريق حفرة كان الصدى الذي يتردد داخلها يبشر بوجود عمق كبير، وباشروا النزول بكل حماس إلى الأسفل بقدر ما تسمح به حبالهم. ثم عادوا بعد ساعات، وملامح النشوة بادية على محيّاهم، وأبلغوا عن وجود ممرات عديدة لم يستطيعوا الوصول إليها؛ إذ قال عضو الفريق، "مايك فريزر": "ذلك ما يدفعني إلى القيام بذلك هناك". فتحقيق إنجاز غير مسبوق يكاد يكون أمرًا ثانويًا، كما أخبرني كثيرٌ من مستكشفي الكهوف. تقول شيد: "سنجد دومًا كهفًا أعمق في العالم. فنحن نحاول جميعًا إنجاز عمل جماعي.. عمل لا يمكن لأي منا أن يقوم به منفردًا".

استكشاف

هدية ... في الوقت المناسب

هدية ... في الوقت المناسب

تَملَّكَ أحد المصورين اليأسُ بعد أن تلقى أنباء مفجعة خلال أدائه إحدى المَهمات الصعبة. ثم اتخذ البابا "فرنسيس" منعطفًا منحَه باب أمل لتدارك ما فات.

سنّوريات تتنفس الصعداء

استكشاف ما وراء الصورة

سنّوريات تتنفس الصعداء

مَهمة محفوفة بالمصاعب في خبايا صناعة الببور الأسيرة في أميركا تُفضي إلى بصيص من الأمل.

تشارلستون.. بصيغة أخرى

استكشاف ما وراء الصورة

تشارلستون.. بصيغة أخرى

مع افتتاح المتحف الذي طال انتظاره على رصيف ميناء تاريخي، تعيد هذه المدينة الواقعة جنوب الولايات المتحدة الوصل بساحلها.. وتعيد حساباتها مع ماضيها المأساوي.