الحبارى.. الطائر المهاجر

رحلة هجرة ذكر الحبارى من مناطق الإشتاء في الإمارات إلى مناطق التكاثر في الصين.

الحبارى.. الطائر المهاجر

تحمل هذه الحبارى على ظهرها جهاز تتبع فضائي، ليرصد الباحثون خطوط هجرتها.

الحبارى.. الطائر المهاجر

للحبارى قصة تسافر صفحاتها آلاف الأميال، لتتخطى جغرافية الأرض. إنها قصة ملاح على صهوة الريح، يقطع الأنهار والسهول ويجتاز الحدود صوب آفاق جديدة.

30 مايو 2021

الحبارى طائر استعراضي بطبعه، يعيش في السهول والهضاب منعزلا في عالمه الخاص؛ لكنه من رواد الرقص التعبيري. يرقص لميلاد يوم جديد في موسم التزاوج ويرقص دفاعًا عن استمرارية نسله. إنه مدافع شرس عن حماه، ويتمتع بخصائص أخرى فريدة امتاز بها عن بقية الطيور المهاجرة.

للحبارى قصة تسافر صفحاتُها آلاف الأميال، لتتخطى جغرافية الأرض. إنها قصة ملّاح على صهوة الريح، يقطع الأنهار والسهول ويجتاز الحدود صوب آفاق جديدة. تُعد كازاخستان محمية طبيعية مفتوحة آمنة تعيش فيها شتى أنواع الحيوانات والطيور. وهي الملتقى الآمن لأكبر تجمع يشهده العالم لطائر الحبارى في مرحلة التزاوج؛ وذلك لاتساع رقعتها ولوفرة الغذاء والظروف المناخية الملائمة وكل مقومات الحياة البرية الأصلية في هذه الأرض. نصبنا خيامنا في منطقة "منجشلاك" على بعد  2500 كيلومتر تقريبًا عن مدينة ألماتي -العاصمة الكازاخية السابقة- والشمس تلملم بقاياها وتستعد للغروب. لقد بدأ يوم العمل، وتزيد من همتنا صحبة طيبة وجو من الطمأنينة والثقة أضفاها علينا زملاؤنا من الباحثين الكازاخيين. كل شي أُعِدَّ جيدا.. لقد قررنا الإمساك بعدد من إناث الحبارى لنثبت عليها أجهزة تتبع لاسلكية تمهيدًا لمتابعتها ورصدها وتسجيل فراخها الجديدة. نصبنا الشراك -وهي بطبيعة الحال آمنة لا تؤذي هذا الطائر- حول عش لنمسك بأنثى حال عودتها لحضانة بيضها. ولأن الحبارى طائر حذر، فلا بد من استخدام الحيلة والذكاء للإمساك به. إذ جلبنا بيضًا مزيفًا لإغراء الأنثى تمهيدًا لأسرها وللحفاظ على البيض الأصلي من التكسير أثناء محاولتها التخلص من الشراك. استخدمنا المناظير كي نراقبها من بعيد، وما هي إلا لحظات حتى بدأت بالاقتراب رويدًا رويدًا إلى العش.. ثم ما لبثت أن وقعت في الأسر. لقد نجحنا!

هنالك شرعنا في أخذ مقاساتها وعيّنة من دمها لمقارنتها مع المجموعات الموجودة في المنطقة ذاتها واستخدامها في الخريطة الوراثية للحبارى. ومن ثم ثبتنا عليها الجهاز اللاسلكي والحلقة المعدنية؛ وكنا سابقًا قد سجلنا العنوان ورقم الجهاز والحلقة المعدنية. تحررت أنثى الحبارى من أسرها والجهاز على ظهرها. إننا نقوم بمتابعتها واختبار عمل الجهاز. وها هي تعود إلى عشها بصورة طبيعية لحضانة البيض، ولم يشكل الجهاز عائقًا لها.
وفي المدة من منتصف شهر أبريل حتى نهاية شهر مايو، يبدأ البيض بالفقس، وبعد بضعة أيام تغادر الفراخ العش، ويتراوح عددها من ثلاثة إلى أربعة. تبدأ الفراخ بالاعتماد علـى نفسهـا بعـد 15 يومًا؛ إذ تبحث عن طعامها بمساعدة قليلة من الأم. وعندها أيضًا، تطرح الوبرَ. وإذا ما شعرت الأم بخطر يهدد صغارها، تقوم بعرضها التحذيري مسببة الحيرة والارتباك لدى المعتدي؛ إذ تُظهر شراسة نادرة وعزمًا على حماية أسرتها. تشرع الفراخ في محاولات الطيران الأولى مع نمو الريش الجديد. لكنها تمكث في كنف الأم ورعايتها حتى بداية موسم الهجرة. تتعلم خلال هذه المدة سُبل العيش والدفاع عن النفس والتحليق والبحث عن الطعام. وعند بلوغ فراخها من العمر عامًا واحدا، يمكن لأنثى الحبارى أن تضع بيضًا جديدا. أما الذكور فتبدأ طقوس الرقص تمهيدًا لدخولها عالم الأسرة.

للحبارى قصة تسافر صفحاتُها آلاف الأميال، لتتخطى جغرافية الأرض. إنها قصة ملّاح على صهوة الريح، يقطع الأنهار والسهول ويجتاز الحدود صوب آفاق جديدة.

تدفعنا ضرورات البحث والعمل إلى محاولة الإمساك ببعض الطيور مرارًا وتكرارًا، ونختار مسرح رقص الذكور مكانًا مثاليًا لنصب الشراك. نستغل انشغال الذكـر بالرقص فنأسره. لقد أمسكنا بعدد يفوق توقعاتنا: أربع إناث وذكر واحد. أما هدفنا فهو تتبع مسار هجرة هذه الطيور وتحديد الأماكن التي تُمضي فيها فصل الشتاء. بدأنا بأخذ عينات من دمها وثبتنا على ظهورها أجهزة تتبع فضائي تعمل ببطارية، والتي كانت تعمل في ذاك الوقت مدة عام كامل. أما الأجهزة الحالية فتعمل مدة تزيد على 5 أعوام. وها هي الطيور تعود حرة طليقة إلى الطبيعة.
وها نحن نغادر مدينة ألماتي تمامًا كطيور الحبارى بعد إنجاز مهمتنا العلمية بنجاح، متجهين صوب أرض الوطن.. وتحديدًا أبوظبي.

القمر بدر في تمامه؛ إنها ليلة مثالية للهجرة، إنه يوم عمل جديـد في مراكز أبوظبي التابعة للصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى. لقد اعتمدنا على برمجة حاسوبية متقدمة باستخدام "نظام آرغوس" وأعددنا خريطة حية تُبيِّن المواقع الحالية للحبارى. إنها عملية ناجحة. تتقدم الطيور باستمرار. لقد غادرت كازاخستان بالفعل. تباينت مسارات هجرتها وامتدت إلى آلاف الأميال في عدة اتجاهات. توجه أحدها إلى إيران والآخر إلى العراق فيما أخذ آخر اتجاهًا معاكسًا.
في 26 فبراير 1997، كنا على موعد مع الطائر المهاجر في "بينونة" بمنطقة الظفرة في دولة الإمارات العربية المتحدة. لقد أَعَدَّ فريقُنا صقرًا مدرَّبًا بالتعاون مع صقّارِين محترفين، وزودنا مخالبَه بكرات بلاستيكية تشبه حبات اللؤلؤ الصغيرة، وغطينا منقارَه من دون أن نحد من قدرته على التنفس والرؤية والاستكشاف؛ وذلك لتمكينه من اصطياد الحبارى من دون أن يقتله أو يجرحه جرحًا بليغًا. أطلقنا الصقر المدرَّب نحو طائر الحبارى، وما هي إلا لحظات حتى نجح في الإمساك به. هنالك أخذنا عينة من دم الطائر، ومقاساته، ووزنه ثم ثبتنا عليه جهازَ تتبع فضائي خفيف يعمل بالبطارية؛ وبعد ذلك أطلقناه ليواصل حياته الطبيعية.
أظهرت الإشارات أن هذا الطائر غادر الإمارات في 26 فبراير عام 1997 قاطعًا مسافة قدرها 6600 كيلومتر  خلال 54 يومًا، ومتوقفًا في ثلاثة أقطار هي تركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان.. قبل أن يستقر أخيرًا في مقاطعة "كسينجيانج" الصينية!
في منتصف سبتمبر 1997، عاد طائرنا إلى الجنوب، حيث استغرقت الرحلة 58 يومًا، قطع خلالها 5700 كيلومتر ليصل إلى الإمارات. وإلى "بينونة" بالتحديد، وكان ذلك حدثًا سعيدًا لنا، ونجاحًا باهرًا لبرنامج التتبع الفضائي. وها هو فريق العمل يتابع عودة الطائر   ويستعين بجهاز استقبال فضائي للتأكد من وجوده على أرض بينونة. إنه طائرنا المهاجر نفسه الذي يحمل على ظهره جهاز التتبع، وقد قطع مسافة تزيد على 12 ألف كيلومتر ذهابًا وإيابًا من الصين إلى أبوظبي.
مضى نحو ربع قرن على تحقيق هذا الإنجاز، إلا أن أهميته تكمن في التأسيس لمرحلة جديدة ترسخ ريادة أبوظبي وجهودها في الحفاظ على الأنواع، أبصر من خلالها الصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى النور في عام 2006 لإدارة النطاق الكامل لبرنامج الحفاظ على الحبارى الذي أطلق في سبعينيات القرن الماضي.

استكشاف

هدية ... في الوقت المناسب

هدية ... في الوقت المناسب

تَملَّكَ أحد المصورين اليأسُ بعد أن تلقى أنباء مفجعة خلال أدائه إحدى المَهمات الصعبة. ثم اتخذ البابا "فرنسيس" منعطفًا منحَه باب أمل لتدارك ما فات.

سنّوريات تتنفس الصعداء

استكشاف ما وراء الصورة

سنّوريات تتنفس الصعداء

مَهمة محفوفة بالمصاعب في خبايا صناعة الببور الأسيرة في أميركا تُفضي إلى بصيص من الأمل.

تشارلستون.. بصيغة أخرى

استكشاف ما وراء الصورة

تشارلستون.. بصيغة أخرى

مع افتتاح المتحف الذي طال انتظاره على رصيف ميناء تاريخي، تعيد هذه المدينة الواقعة جنوب الولايات المتحدة الوصل بساحلها.. وتعيد حساباتها مع ماضيها المأساوي.