بحثًا عن لُقى إيفرست الروحية

التقطت هذه الصورة بواسطة طائرة "درون" (ويُشغِّلها المصورُ، رينان أوزتورك)، وتُظهر مخيم "الفج الشمالي" على جبل إيفرست.

بحثًا عن لُقى إيفرست الروحية

لطالما اعتقدتُ أن "جبل إيفرست" كارثة محقَّقَة للهواة والمعتدّين بأنفسهم. ولمّا ذهبتُ إلى هناك، تفاجأت بما اكتشفت.

قلم: مارك سينوت

عدسة: Matt Irving

1 ابريل 2021 - تابع لعدد أبريل 2021

لـم يَـدُر قَـط بخـلـدي أنّي سأظهر يومًا في صورة لـ "جبل إيفرست"؛ لكن ها أنا ذا (الصورة أعلاه) ملفوف ببذلة خاصة وقناع أوكسجين، على بعد 120 مترًا عن القمة. قد يبدو ذلك إقرارًا غير متوقع من متسلق محترف أمضى العقدين الماضيين في تعقب القمم بشتى بقاع العالم. يعُد كثيرٌ من الناس التقاطَ صورة ذاتية (سيلفي) من أعلى نقطة على الكوكب بمنزلة الجزاء الأوفى. كيف لا وقد غامر ثلة من الناس بكل شيء للحصول عليه -بما في ذلك مدخرات العمر والعلاقات الشخصية- ولسوء الحظ، مات كثيرٌ منهم في طريق النزول والصور الثمينة ما تزال حبيسة كاميراتهم. لكن وجدتُني، على مَرّ أعوام، لا أُحبذ فكرة رحلة استكشافية إلى إيفرست. إذ صار هذا الجبل تجسيدًا لعكس ما أحب وأحترم في التسلق.
وأول جبل حاولت تسلقه لم يكن جبلًا في الأصل، بل جُرفًا من الغرانيت ارتفاعه 150 مترًا بولاية نيو هامبشير، ويدعى "كاثيدرال ليدج". تسلقت الجرفَ رفقة أحد الأصدقاء. كنا في الخامسة عشرة من العمر وعنيدين، ولم نكن نعرف أي شيء عن التسلق التقني سوى ما رأينا في صورة كبيرة لمتسلق كنت قد ألصقتها على جدار غرفتي. كان الرجل ذا فك خشن، ويلف حبلا حول خصره. لم ندرك أنها صورة قديمة تعود إلى الحقبة السابقة على اختراع الأحزمة. لذلك أخذنا حبل غسيل من كومة أدوات والدي وتوجهنا صوب الجرف. وعلى نحوٍ مَا، تمكنا من شق طريقنا عدة أمتار على الجدار شبه العمودي نحو حافة صغيرة آمنة. جلسنا جنبا إلى جنب على حافة الهاوية، نُحدّق في "وادي جبل واشنطن"، ونتابع الشمس وهي تغوص في الأفق، ونتساءل برهبة عن كيفية النزول. فلقد كان اكتشافنا العالمَ العمودي بمنزلة مخدر. الإثارة التي تتخلل القيام بأمر لا يفكر فيه معظم الناس، والفرحة بإيجاد موضع قبضة وموطئ قدم، والخوف الذي يتملك النفس من ارتكاب خطأ، واكتشاف المنظر في الأعلى، والعلاقة التي توطدت بيني وبين صديقي بعد التجربة.. كلها عناصر تحدد جوهر ما صرت أبحث عنه في الجبال منذ ذلك الحين. لم يكن الأمر قَط متعلقًا بصورة.
لمّا بدأتُ التسلقَ أول مرة في منتصف الثمانينيات، لم يكن أحدٌ قد فكر بعدُ في نشاط الإرشاد على إيفرست. وحدهم المتسلقون المتمرسون ذوو الباع الطويل في بعثات استكشاف الارتفاعات الشاهقة، كانوا يُدعَون للانضمام إلى فرق النخبة التي تجرأت على الصعود إلى ما يفوق 8000 متر نحو ما يسمى "منطقة الموت". لكن عندما شحذتُ مهاراتي في أماكن مثل جزيرة بافين وباتاغونيا وكاراكورام، بدأت نظرتي لتسلق إيفرست تتغير. وما كان في يوم من الأيام الهدفَ الأسمى في عالم تسلق الجبال، صار محور نشاط إرشادي تجاري مدر للمال. واليوم أصبح بإمكان كل من يستطيع تحمل الكلفة الباهظة أن يحاول تسلق أعلى قمة في العالم. وزاد ذلك الهوس نتيجة إشهار وفاة ثمانية متسلقين خلال موسم التسلق في ربيع عام 1996، والذي وثّق له كتاب (Into Thin Air) الشهير لصاحبه "جون كراكاور".

شُوهد مالوري وشريكه الشاب "ساندي أُرفاين" آخر مرة في "الحافة الشمالية الشرقية" وهما يكافحان للوصول إلى القمة، ثم اختفيا وسط السحاب.

وعلى مر الأعوام، زادت الحشود في "مخيم القاعدة"، مخلفةً وراءها أطنانا من النفايات. وكلما ألقيت عرضا عن بعثات التسلق، كان أحدهم يسألني دائما إن كنتُ قد تسلقت جبل إيفرست. وظل جوابي دائمًا: لست مهتما. لربما كان ذلك منتهى حكايتي مع إيفرست.. لولا صديق قديم وهوسه بأحد أعظم ألغاز تسلق الجبال. ففي عام 1999، كان "توم بولارد" مصورا في البعثة التي عثرت على رفات "جورج مالوري"، المتسلق البريطاني الشهير الذي اختفى أثناء محاولته أن يكون أول من يتسلق إيفرست. شُوهد مالوري وشريكه الشاب "ساندي أُرفاين" آخر مرة في "الحافة الشمالية الشرقية" وهما يكافحان للوصول إلى القمة، ثم اختفيا وسط السحاب. ومنذ ذلك الحين والمتسلقون يتساءلون عمّا إذا تمكنا من بلوغ القمة عام 1924؛ أي قبل نحو 30 عامًا من نجاح "إدموند هيلاري" و"تينسينغ نورغي" في ذلك. لم يُعثر قَط على أُرفاين وكاميرا "كوداك" التي يُرجَّح أنه كان يحملها. هكذا وجدتُ نفسي، في مَهمة لحساب ناشيونال جيوغرافيك، أبحث عن متسلق مفقود منذ فترة من الزمن.. ولعله كان صاحب أول صورة سيلفي على قمة إيفرست.
وكما كتبتُ في عدد يوليو 2020، لم تعثر بعثتنا على الكاميرا، لكنها دفعتني إلى إعادة النظر في جبل إيفرست. لمّا حزمتُ أغراضي لأتوجه إلى التبت، توقعت أن تكون المُعدّات المتطورة والأوكسجين المعبأ عاملًا يجعل من عملية التسلق أمرًا مقدورا عليه، وربما سهلا. قلت في قرارة نفسي إن الأمر لا يعدو أن يكون نزهة. ولمّا التقطتُ هذه الصورة، بلغ مني الإرهاق مبلغًا فاق ما كان عليه خلال سائر أشواط الرحلة، وكنت أقاوم الرغبة في التقيؤ. وعلى طول الطريق كنت أرفع القبعة باستمرار ليس لمالوري و أُرفاين وحدهما -وهما اللذان تسلقا ببذلات صوف خشن وأحذية معقودة- ولكن لكل شخص دفعته نفسه إلى خوض هذا الدرب. وبينما شاهدتُ حشودَ المتسلقين المغمورين يسدون الممرات المثبَّتة، ومطارح القمامة، وسوء التدبير الحكومي على الجانبين، وجدت أن المتسلقين الآخرين أكثر بكثير من مجرد سياح معتدّين بأنفسهم. خلال احتسائنا كثيرًا من أكواب الشاي في مخيمات مختلفة، تقاسمنا المعلومات عن المسارات وتوقعات حالة الطقس والصور العائلية؛ فلقد كنا جميعًا ملتئمين حول أهداف مشتركة. وما شعرت به من تضامن مع هذه المجموعة كان أقوى من أي شيء آخر عشته من قبل على الجبال.

قصدتُ إيفرست بحثًا عمّا خلفه أُرفاين من آثار مادية، لكني عثرت في نهاية المطاف على شيء ربما أبعد منالا: إنها الروح التي تقاسمَ كلٌّ من أُرفاين ومالوري.

أدركتُ أن الزائر النموذجي الذي يدفع المال لتسلق إيفرست يكون في الغالب شخصًا حالمًا ادَّخر ما يمكنه من مال لاقتناص فرصة فعل شيء ممـيز، وليـس رئيـسًا تنفيذيًا بدينًا ومزهوًّا بنفسه. فعلى خلاف الاعتقاد السائد، فإن جل متسلقي إيفرست يسعون إلى خوض التجربة الرائعة التي خضتها أول مرة على "كاثيدرال ليدج" وأنا بعدُ طفل. كان صعبًا ألّا يُعجَب المرءُ بقدراتهم والاستمتاع بما يجمعنا بصفتنا بشرًا.. رغم كل ما قد ينطوي عليه الأمر من شغف وخطورة. في ربيع هذا العام، ليس واضحا عدد المتسلقين -إن وُجدوا- الذين سيجتمعون في مخيمات الانطلاق في نيبال والتبت لبدء عملية تسلق أعلى قمة في العالم. لكنهم سيعودون في النهاية.
قصدتُ إيفرست بحثًا عمّا خلفه أُرفاين من آثار مادية، لكني عثرت في نهاية المطاف على شيء ربما أبعد منالا: إنها الروح التي تقاسمَ كلٌّ من أُرفاين ومالوري. كانت قابعة أمام أنظار الجميع، تمامًا حيث كانت دائما وما زالت: داخل الأرواح الجريئة التي خاطرت بالغالي والنفيس للسير على خطى مغامرين محنَّكين.. نحو قمة إيفرست.

استكشاف

هدية ... في الوقت المناسب

هدية ... في الوقت المناسب

تَملَّكَ أحد المصورين اليأسُ بعد أن تلقى أنباء مفجعة خلال أدائه إحدى المَهمات الصعبة. ثم اتخذ البابا "فرنسيس" منعطفًا منحَه باب أمل لتدارك ما فات.

سنّوريات تتنفس الصعداء

استكشاف ما وراء الصورة

سنّوريات تتنفس الصعداء

مَهمة محفوفة بالمصاعب في خبايا صناعة الببور الأسيرة في أميركا تُفضي إلى بصيص من الأمل.

تشارلستون.. بصيغة أخرى

استكشاف ما وراء الصورة

تشارلستون.. بصيغة أخرى

مع افتتاح المتحف الذي طال انتظاره على رصيف ميناء تاريخي، تعيد هذه المدينة الواقعة جنوب الولايات المتحدة الوصل بساحلها.. وتعيد حساباتها مع ماضيها المأساوي.