التجريد.. عالم ما بعد الصورة

دبور كوكو (Chrysis chrysid): اشتُق الاسم العلمي لحشرة الدبور من اللغة اليونانية، ويعني "إناء الذهب"، نسبةً إلى جسمه اللامع البراق. ويُعرَف هذا النوع أيضا باسم دبور "الوقواق"، بفعل سلوكه الانتهازي الذي يشبه سلوك طائر الوقواق في دس بيضه في أعشاش طيور أخرى. ليس هذا السلوك أغرب ما في هذه الدبابير؛ إذ إنها تمتلك قدرة هائلة على محاكاة رائحة الكائن المضيِّف، مما يسهل عليها التهام بيوضه ويرقاته وطعامه، فيما تترك هي بيوضها ليرعاها المضيّف "بسلام".

التجريد.. عالم ما بعد الصورة

خنفساء الجواهر المطوَّقة (Chrysochroa buqueti rugicollis ): يتمثل جمال البعد التجريدي للصورة في كونه يأخذنا إلى مناطق لا علاقة لها بالكائنات الحية والحشرات بالذات؛ كما يتجسَّد في هذا الجزء من الرأس ذي الألوان المتداخلة الذي يبدو كأنه موج من الفقاعات الصابونية المنسكبة على سطح زيتي. ومن شأن هذا البُعد التجريدي أن يؤسس لعلاقة جمالية تربطنا بمخلوقات لطالما وصفناها بكونها "مقززة".

التجريد.. عالم ما بعد الصورة

خنفساء الجواهر المطوَّقة (Chrysochroa buqueti rugicollis): التقط الحبشي أربعة أعمال مختلفة تماما لجزء لا يتعدى 1 على 40 من رأس هذه الخنفساء التي يبلغ طولها الإجمالي 44 مليمترًا. يقول: "صحيح أن هناك تدرجات لونية واسعة في المنطقة نفسها، إلا أن للمصور خيارات كثيرة تساعده في الحصول على نتائج إضافية في حال غيَّر الزاوية ودرجة الضوء المستخدمة وكذلك بؤرة تركيزه". ولدى الحبشي أساليب أخرى يعتمدها في إبداعاته، ساعدته في إنتاج 15 عملا مختلفا؛ ويسعى حاليا لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع فني جديد.

التجريد.. عالم ما بعد الصورة

خنفساء (Lampropepla rothschildi): تفتح الصور التجريدية للمُتلقي المجال لتأويلات متعددة؛ ما يضيف لهذا العالم ساحريته وشاعريته الخاصة. يقول الحبشي: "حتى تغيير اتجاه الصورة، يذهب بنا إلى عوالم حالمة". وهنا اختار مصورنا هذا الاتجاه لأنه يُظهر لقطة تشبه مشهد قناديل بحر تسبح بدلال في الفضاء الخارجي. وكما لهذه المخلوقات الرخوية الجميلة لسعات ضارة خطيرة، فإن لهذه الخنفساء المعروفة بألوانها الزاهية -والتي تستوطن جزيرة مدغشقر- قدرة على التسبب بأضرار هائلة للأشجار؛ على الرغم من دورها الطبيعي في إعادة تدوير الغذاء في النظام البيئي.

التجريد.. عالم ما بعد الصورة

خنفساء (Coptolabrus augustus ignigena): أضفى انعكاس الضوء على السطح المكون من نتوءات، بُعدًا ثلاثيا غنيا على صورة هذه الخنفساء التي تتميز بكثرة الألوان الحيادية والمتداخلة. التُقط هذا المقطع بطريقة لا تُبرز مركز التماثل من ظهر الخنفساء؛ مما منحه بُعدًا تجريديا مميزًا. وتُعدّ الخنافس من الحشرات "الجوهرية" -لها أجساد خارجية صلبة- التي تقتات على مجموعة واسعة من الغذاء؛ مما ينعكس على درجاتها الصبغية وتراكيب ألوانها.

التجريد.. عالم ما بعد الصورة

الفراشة الجبلية، السوداء خطافية الذيل (Papilio maackii): لقطة تجريدية مُبهرة من جناح هذه الفراشة، الذي عادة ما يبلغ امتداده 14 سنتيمترًا. يظهر اللون الأزرق المتوهج في الجزء العلوي، فيما يظهر البني والأسود في الجانب السفلي. تُميّز هذه الألوانُ الإناثَ ويمكن لمحها من مسافة أمتار؛ وتجتذب إليها الذكورَ، التي تتفرد بلون أسود وحيد.

التجريد.. عالم ما بعد الصورة

خنفساء (Pachyrrynchus reticulatus): يبدو هذا المشهد للناظر مثل قلادة ذهبية تطوق جِيدَ امرأة غجرية. ولعل سبب هذا الانطباع التلقائي السريع هو تأثير الصورة في النظام الإدراكي للناظر؛ وههنا يكمن غرض المصور الفوتوغرافي المتمثل مدّ جسر للتواصل بين مشاعر الناظر وموضوع الصورة. صحيح أن لهذه الخنفساء شكلا مثيرا وجميلا، لكن من المستبعَد أن يعلق المرءُ صورتها في غرفة نومه. أما حين يتعلق الأمر بهذه الصورة التجريدية.. فتلك مسألة أخرى.

التجريد.. عالم ما بعد الصورة

مصور فوتوغرافي شغوف بتقنية "الماكرو" يسافر بعدسته بعيدًا إلى عوالم الحشرات، ليكشف لنا ما تحويه من سِحر "تجريدي" يتجاوز في أبعاده ما نراه عنها في الواقع أو حتى في مخيلتنا. أما غايته فهي.. إعادة ترتيب علاقتنا بهذه الحشرات.

قلم: السعد المنهالي

عدسة: يوسف الحبشي

1 ديسمبر 2020 - تابع لعدد ديسمبر 2020

كان ذلك الجزء المتعلق بالحشرات في العرض التقديمي الذي ألقيتُه أمام زهاء 300 شخص، هو الأغرب والأكثر تشويقًا على الإطلاق. فقد كان من الصعب جدا أن أشير إلى الموضوع بهدوء، بسبب ردود الأفعال الأولية التي كان من المتوقع أن يبديها المتابع، من تقزز إزاء ما يتعلق ببعض الحشرات؛ ولذا أنقذتُ الموقف باستخدامي صور رؤوس الحشرات التي التقطها المصور الفوتوغرافي "يوسف الحبشي" بتقنية "الماكرو". فقد بدت بتشكيلاتها وألوانها وكأنها زهور. كان ذلك الاقتراب مؤثرا جدا -كما خططت له- لاستحضار عاطفة المتابع وإبلاغه بالرسالة المنشودة: الحشرات حلقة أساسية في سلسلتنا الغذائية وحاسمة لاستمرار الحياة!
بعـد خمسة أعـوام على ذلك، وأثناء تجولي في معرض "اللامرئي" والذي خصصه الحبشي لموضوع الجزء المتعلق بقرون الحشرات وفكوكها، كان أكثر ما لفت انتباهي اثنتا عشرة لوحة معدنية بديعة إلى يمين المدخل؛ والحقيقة أني حتى لو مكثت يوما كاملا في البحث عن علاقتها بموضوع المعرض، لَمَا نجحت. ولمعرفتي الكبيرة بالحبشي، استبعدتُ تمامًا أنها توجد في المكان اعتباطًا، كأن تكون مثلا جزءا من جدار المعرض الخاص بـ"منارة السعديات" في أبوظبي. منذ أن تعـرفت إلى الحبـشي وأنا أتعامل معه بحساسية "مفرطة". وأظن أنه يصح لي تماما استخدام هذه المفردة؛ فهو شخص دقيق جدا وشديد العناية بعمله إلى أقصى حد. وعادة ما يكون شخص بهذه الصفات آخر من نودّ التعامل معه في العمل، غير أن هذه النوعية بالذات لديها شغف لا محدود بما تقوم به، واستعداد مطلق للذهاب إلى أعمق ما يمكن تصوره وتحقيق النجاح حتى أبعد الحدود. وفي تلك اللوحات الاثنتي عشرة المعلقة، تجسَّد ذلك العمق الذي ذهب إلى أبعد ما يمكنني تصوره! رغم نجاح الحبشي المدوّي في التصوير بتقنية الماكرو واقترابه من وجوه الحشرات وعيونها وفكوكها خلال الأعوام العشرة الماضيــة، مـا زال مــأخوذًا بهذا العالم ومشدودًا إلى مناطق غير مأهولة في مملكة الحشرات.. إلى ما وراء الصورة وما بعد الماكرو.. إلى التجريد في معناه الأعمق، في استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقي.
يعتمد التجريد على البعد بالشيء عن شكله في الحياة الطبيعية، سواء أكان فكرة أم كلمة أم صورة أم غيرها من الأمور المحيطة والمعلومة. وقد أصبح هذا الأسلوب يُستخدم لإحداث تأثير في النفس عبر النفاذ إلى عمقها؛ وقد ظهر في التصوير أول مرة عام 1842 على يد الطبيب والعالم والمؤرخ والمصور "جون ويليام دريبر". إذ استخدَم هذا الأخير فن التصوير بذكاء لتقديم أدلة ملموسة على نتائجه حول ضوء الشمس وتأثيرات الأشعة الطولية على نمو النبات، مستخدمًا المطياف؛ الأمر الذي أدى إلى تشتيت أشعة الضوء. هنالك تمكن دريبر من رصد نمط مرئي جديد لم يُعرَف من قبل. ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، ومع التقدم المذهل في تقنيات التصوير، دأب المصورون على التقاط ما لا يمكن رؤيته بواسطة العين المجردة. إنها الأسرار الجديدة التي تثير الحماس في نفوس الآخرين تجاه الأمور العادية والمكتشفة سابقا. في الصور المجردة، تكمن الإثارة في بعدها عن الموضوع الظاهر والمعروف واستخلاص جوهر جديد تماما يكاد يكون منفصلا عن أصله. في تلك الزاوية من معرض الحبشي "اللامرئي"، كان التجريد مجسَّدًا على أصوله.. فقد كان كياني كله يتساءل: "ما هذا؟".
إنه الجوهر، الكُنه، العمق.. إنها حشرات!!
إنها صورة جديدة تمامًا قد تتشابه أو لا تتشابه مع الشكل الأصلي للصورة العادية؛ إنها رحلة جديدة للنظر إلى العالم والأشياء بطرق مختلفة ومثيرة في الوقت ذاته. ولكنها رحلة يقودها إحساس المصور، تفتح الباب لتصورات وتساؤلات لا حدود لها في ذهن المشاهد وخياله. إن "النُّظُم العاطفية لدى البشر أقوى بكثير من النظم المنطقية"؛ ولذا كان لِلَّعب على النظام الإدراكي لدى المتلقي تأثيرٌ أعمق وأشد بكثير، مما يسمح بنشوء تواصل معه من خلال مشاعره، ويرمي في النهاية إلى بلوغ هدف المصور.
يقول الحبشي: "على الرغم من صغر حجم هذه المخلوقات، فإن وجودها ودورها الحيوي الفاعل يفوقان حجمها أضعافًا في الأهمية بالنسبة إلى كل شيء من حولنا، سواءً أكان ذلك للبشر أو للحيوانات أو حتى للنباتات. هذا ما يجب أن يدركه الإنسان.. وسأسعى إلى تحقيق ذلك بأي وسيلة متى ما تمكنت". وهو بذلك المنحى الجديد في أعماله، يميل إلى إثارة ردود فعل قوية من النظام الإدراكي لدى متلقيه، خدمةً لرسالته التي تجعلنا ننظر إلى هذه المخلوقات بطريقة مختلفة. فإلى أي حدّ نجح مصورنا في سعيه؟

وحيـش يأبى الثبات

وحيـش يأبى الثبات

ترقُّبُ اكتشافات الديناصورات يعني أن وجهة النظر بشأنها لا تفتأ تتغير.

مــاذا لــو اختفــت الشمس.. الآن

استكشاف

مــاذا لــو اختفــت الشمس.. الآن

وُهِبنا في هذه الحياة، نحن البشر وسائر المخلوقات الأخرى، أشياء مجانية كثيرة؛ لعل من أبرزها ضوء الشمس. ولكن هل تساءل أحدٌ منّا يومًا عمّا سيحدث لو أن الشمس اختفت من حياتنا؟

لحظات مذهلة

لحظات مذهلة

يحكي مصورو ناشيونال جيوغرافيك، من خلال سلسلة وثائقية جديدة تستكشف عملهم، القصصَ التي كانت وراء صورهم الأكثر شهرة.